تحريم إجبار البنت على الزواج بمن تكره
الحمد لله وصلى الله وسلم وبارك على عبده ومصطفاه محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعـــد :
فالزواج رابطة عظيمة وميثاق غليظ.
قال تعالى : " وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاق غليظ ".
فعظم الله شأنه لأسباب كثيرة منها :
1 ـ أن به قوام الحياة واستمرار الدنيا.
2 ـ ولأنه فطرة الله الذي فطر الناس عليها.
" هو الذي خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها ليسكن إليها ".
3 ـ لأنه استحلال لما كان قبل ذلك محرم ، فالزوج كان يحرم عليه النظر والمعاشرة قبل الزواج والمرأة كذلك فابيح لهما ذلك بكلمة الله وعلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلأجل هذا كله وغيره كان الميثاق غليظا.
والزواج هو حياة أو بمعنى آخر وكلمة أوضح هو معاشرة عمر ، فهل يعقل أن يجبر أحد على معاشرة عمر ؟ !.
لا وألف لا يأبى هذا الله ورسوله والمؤمنون وكل صاحب فطرة سليمة وعقل صحيح.
جاء في الصحيحين البخاري ومسلم والسنن الأربعة ومسند الإمام أحمد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تنكح البكر حتى تستأذن ولا الثيب حتى تستأمر ، فقيل يا رسول الله كيف إذنها ؟ قال إذا سكتت.
هذا الحديث يجعل المرأة قسمان :
الأول : بكر لم يسبق لها الزواج.
الثاني : ثيب سبق لها الزواج وانتهت علاقتها بزوجها السابق بوفاته أو طلاقه أو خلعها.
فالنوع الأول : لا ينبغي أن تـُزوج إلا بعد أن تستأذن ، فمن كان وليا على بنت ٍ بكر وجاءها خاطب فإنه لا يجوز له أن يزوجها له إلا بعد أن يستأذنها.
والبكر مع كونها تستحي لعدم خبرتها بالرجال إلا أن الشرع الحنيف أعطاها هذا الحق ، والدليل ما ورد في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : يا رسول الله إن البكر تستحي قال رضاها صمتها.
فمع كون هذا النوع من النساء يستحي إلا أن الشرع لم ينفي حقهن في الاختيار وجعل علامة ذلك الصمت ، فإن صمتت البنت عند سؤالها عن رأيها في زوجها من فلان ؛ فإن هذا الصمت يعتبر منها رضا.
، فإن لم يستأذن الولي موليته في شأن زواجها ؛ فهو عاص ٍٍ لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم.
وهذه البنت إن شاءت رضيت بما اختاره لها وليها ، وإن شاءت رفعت أمرها للقاضي.
ودليل هذا ما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنه أن جارية بكرا أتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له أن أباها زوجها وهي كارهة فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم. رواه ابن ماجة في سننه وأحمد في مسنده.
وفي سنن النسائي عن عائشة أن فتاة دخلت عليها فقالت : إن أبي زوجني ابن أخيه ليرفع بي خسيسته وأنا كارهة قالت اجلسي حتى يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فأرسل إلى أبيها فدعاه فجعل الأمر إليها ، فقالت : يا رسول الله قد أجزت ما صنع أبي ولكن أردت أن أعلم أللنساء من الأمر شيء ؟. ، وفي رواية مسند أحمد قالت : ولكن أردت أن تعلم النساء أن ليس للآباء من الأمر شيء.
وأما النوع الثاني ـ أعني الثيب ـ : فإنه لا ينبغي مطلقا أن يزوجن بمن لا يرتضينه بل لا يكفي مجرد الصمت ، فلابد من موافقة صريحة.
وقد حصل أن امرأة ثيب زوجها أبوها بمن تكره فرفعت أمرها للنبي صلى الله عليه وسلم كما ثبت في صحيح البخاري والسنن الأربعة إلا الترمذي ، ورواه أحمد في مسنده ومالك في موطأه عن خنساء بنت خذام الأنصارية أن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد نكاحه.
و في الختام أقف وقفة متعقلة مع كل ولي أمر أن يتقي الله في من ولاه الله أمرها فإن سيسأل كل راع عما استرعاه ، وسبحان الله كيف يقف الإنسان بين يدي الله وهو ظالم والمظلوم يطالبه بحقه ، ويا ترى من هذا المظلوم الذي يطالب بحقه ؟ إنها ابنته.
ولقد أعجبني كلام نفيس لشيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ وهو يتكلم عن تزوج المرأة بمن تكره ، فقال إنه من المقرر في الشرع أنه لا يجوز لإنسان أن يأكل أكلة لا يستسيغها ، فكيف بمرارة طول العمر ?
منقول من موقع الفقة