عليها تسعة عشر
أي: على النار تسعة عشر من الملائكة - وعلى هذا أكثر المفسرين -، وهم خزنتها: مالك ومعه ثمانية عشر؛ غلاظ شداد، لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون ؛ وجاء في الأثر: أعينهم كالبرق الخاطف، وأنيابهم كالصياصي، يخرج لهب النار من أفواههم، ما بين منكبي أحدهم مسيرة سنة، نزعت منهم الرحمة، يرفع أحدهم سبعين ألف فيرميهم حيث أراد من جهنم (1). وقد جاء في السنة ذكر مالك وأنه خازن النار ورؤية النبي صلى الله عليه وسلم له ، ففي صحيح البخاري من حديث سَمُرَة بن جُنْدُب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « رأيت الليلة رجلين أتياني فقالا : الذي يوقد النار مالك خازن النار ، وأنا جبريل ، وهذا ميكائيل » (2)
ومعنى كونهم عليها أنهم يتولون أمرها ، قيل : جعلهم ملائكة؛ لأنهم خلاف جنس المخلوقين من الجنّ والإنس ، فلا يأخذهم ما يأخذ المجالس من الرقة والرأفة. وقيل : لأنهم أقوم خلق الله بحقه والغضب له ، وأشدهم بأساً وأقواهم بطشاً.
يروى في السيرة أن أبا الأشدين -واسمه: كَلَدَة بن أسيد بن خلف-قال: يا معشر قريش، اكفوني منهم اثنين وأنا أكفيكم منهم سبعة عشر، إعجابا منه بنفسه، وكان قد بلغ من القوة فيما يزعمون أنه كان يقف على جلد البقرة ويجاذبه عشرة لينتزعوه من تحت قدميه، فيتمزق الجلد ولا يتزحزح عنه.
قال السهيلي: وهو الذي دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مصارعته وقال: إن صرعتني آمنت بك، فصرعه النبي صلى الله عليه وسلم مرارا، فلم يؤمن. قال: وقد نَسَب ابنُ إسحاق خبر المصارعة إلى ركانة بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب (3)
وعن ابن عباس ، ذكر أن ذلك لما أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسمع أبو جهل بذلك قال لقريش : ثكلتكم أمهاتكم، أسمع ابن أبي كبشة - يقصد رسول الله - يخبركم أن خزَنة النار تسعة عشر وانتم الدَّهم، أفيعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا برجل من خزنة جهنم؟ (4) فأوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتي أبا جهل، فيأخذ بيده في بطحاء مكة فيقول له
أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ) فلما فعل ذلك به رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو جهل: والله لا تفعل أنت وربك شيئا، فأخزاه الله يوم بدر.
(1) عزاه صاحب الدر المنثور: 8 / 333-334 لابن مردويه
(2) صحيح البخاري برقم (3236).
(3) الروض الأنف للسهيلي (1/200)
(4) أخرجه الطبري: 29 / 159 - وانظر: سيرة ابن هشام: 1 / 335، الدر المنثور: 8 / 333