بسم الله الرحمن الرحيم
(مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى)
د. محمد بن إبراهيم الحمد
هذه الآية استفتحت بها سورة طه - كما هو معلوم -.
فما أروعه من استفتاح، وما أبرعه من استهلال؛ حيث تَبَيَّن من خلاله أن هذا القرآن وما فيه من أوامر، ونواهٍ، وإرشادات، وقصص، وأحكام وأخبار - إنما هو لمحض السعادة؛ لذا فإنه حقيق على المسلم الذي يؤمن بهذا القرآن ومنزله، والمنزل عليه - أن يدرك هذا المعنى العظيم، ويستحضر أن جلبَ السعادة، وطردَ الهم من أعظم مقاصد تلك السورة، بل والقرآن والشريعة عموماً.
والتفسيرُ العمليُّ لذلك كان في سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث كان أكثرَ الناس تبسماً، وبشراً وطلاقة.
وما قعد به عن ذلك كثرةُ الآلامِ، والمصائبِ، والمشاقِّ التي تمر به.
وفي هذا إرشاد عظيم لمن يظن أن عبوسَ الجبين، وكَرَفَ العرنين، وتَجَهُّمَ الأسارير، وتَكَلُّفَ التوقُّرِ، واجترارَ المآسي، وسوادَ النظرةِ، وإساءةَ الظنِّ بالآخرين - هو علامةُ التدين الصحيح.
لا، ليس الأمر كذلك، بل هو بعكسه تماماً.
ولو كان كذلك لكنا ندعو الناس إلى ما فيه شقاؤهم، وهَمُّهم، وتعاستهم؛ كيف يكون كذلك ونحن نقول بأفواهنا: إن الإسلام والتدين الصحيح هو سبيل السعادة في العاجل والآجل؟!
كيف يكون كذلك وسيرتنا العملية تنطق بخلافه؟!
فحقيق على من آمن بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً - أن يستحضر هذا المعنى، وأن يكون على باله دائماً؛ فيستقبل الحياة وما فيها من تكاليف، ويقوم بما أمر الله به - بكل ارتياح، وسرور؛ فإذا وفق لما يرجوه من نجاح، وطاعة حَمِد اللهَ، واستمر على الطاعة، وإذا أتت الأمور على خلاف ما يريد تعزى بقدر الله، وإذا خذل؛ فوقع في المعصية استغفر، وتاب ورجع إلى مولاه.
وهكذا سيرته مع الناس؛ حيث يسعى سعيه لإرشادهم إلى الخير، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر؛ فإذا حصلت الإجابة فبها ونعمت، وإذا كانت الأخرى لم تذهب نفسه عليهم حسرات.
فهذا سر من أسرار السعادة، وهو مما يحتاج إلى صبر ومرواضة، (وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) (فصلت:35).