ونبلوكم بالشر والخير فتنة
عبد الله بن حسين الفقيهي
لقد جعل الله الحياة ميداناً للتسابق والتنافس، وخلق الموت والحياة ليبلونا أينا أحسن عملاً، كما قال - سبحانه -: (ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون).
وأحداث الحياة وما تمر به الشعوب من شدائد وأزمات وإن حملت في ظاهرها شراً فإنها لا تكون شراً محضاً، بل ربما حملت من الخير أضعافاً، وقد قيل: "إن في الشر خياراً".
ومن إحسان الظن بالله - سبحانه - أن ندرك أن ما تجنيه الأمة من فوائد في أزماتها ومصائبها أنها فوائد منسية غابت عن الأذهان عندما دبّ اليأس والأسى في النفوس، ولا بدّ من اليقين أن لله في خلقه وتدبيره وحكمه حكماً وعبراَ، وأن عقولنا قاصرة عن الإحاطة بكل تلك الحكم والأسرار من تتابع الحوادث.
ومن تلك الفوائد:
1- الشدائد ميدان، وفي الميدان يكون المران، وقد قيل: "عند الطّعان يتبين الرجال"، فالشدائد محك تظهر فيه الصفات والخلائق، وتنكشف القدرات والمواهب.
2- في الشدائد يتميز المؤمن عن المنافق، والصادق عن الكاذب، ويقف المرء على حقيقة إيمانه، كما قال - سبحانه -: (ومن الناس من يقول ءامنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم أوليس الله بأعلم بما في صدور العالمين).
3- أظهرت الأزمات أخطاء عقدية مهمة، فظهر أن ولاء أفرادها ليس لله، واضطرب في نفوسهم التوكل على الله، واختل لديهم الخوف والرجاء، ورفعت مطالبات وشعارات غير شرعية وهلمّ جرا. وهذا موسى - عليه السلام - خرج في جمع قليل ضعيف، ليلتقي مع فرعون وجمعه القوي، فقال أصحاب موسى وقد رأوا كثرة العدو: (إنا لمدركون) فرد موسى رداً حاسماً: (كلا إن معي ربي سيهدين).
4- في الشدائد يتبين لنا عدونا من صديقنا، لقد كان الأعداء يمكرون ويخططون من وراء ستار، فصاروا ينفذون علناً أمام الأنظار، وبات المخدوعون بمعسول الكلام وزائف الوعود والآمال ممن ظنوا بأعدائهم خيراً، وأنهم أنموذجاً في العدل والرحمة والحرية والحياة الآمنة المستقرة، ينظرون إلى تمثالهم وهو يتهاوى أمامهم وتبين لهم أن أطماعه في ثروات الأمة وأراضيها لا يحتاج إلى شرح وبيان.
5- لقد فضحت الأزمات زعامات وقيادات، وأسقطت الأقنعة عن ادعاءات وشعارات، قامت على القومية والحزبية وارتضت شعارات جاهلية، خدعوا البسطاء وجروا على الأمة نكبات وويلات، وفي آخر المطاف هم دُمى تحرك بأيدي غيرهم من الأعداء.
6- علمتنا الأزمات أن الأمة حين تربي أبناءها على وفق شرع الله، وتبني في نفوسهم صرح الأيمان، فإن قوى الأرض وإن هزمتهم ظاهراً فلن تهزم بواطنهم، ولن تنال من عزتهم، ولن تقوى على تغيير مبادئهم.
وأما غير ذلك من الشعارات وإن علا في وقت صوتها ولمع بريقها فإنها سحابة صيف توشك أن تنقشع، لأنها تربيات ومبادئ قامت على غير هدى من الله، وكل ما كان كذلك فهو عرضة للتبديل والزوال، بل والانقلاب عليه من أقرب الأتباع والأعوان.
7- أن الطغاة في كل عصر أمام قوتهم المادية ينسون أن الأيام دول، وأن الظلم أسرع شيء إلى تعجيل نقمة وزوال نعمة، وأن لله فوق تدبيرهم تدبيراً، وأن الريح قد يواجه إعصاراً، وينسون أنه إنما تندمل من المظلوم جراحه إذا انكسر من الظالم جناحه، وأنه على الباغي تدور الدوائر. فهل يعتبرون ويتعظون؟.
8- علمتنا الأزمات دور العدل في النصر وأن الظالم مهما بالغ وتجبر وتكبر فإنه يوماً سيسقط، وحينها لن يبكيه أحد، وأنً ساعة يُتمكن فيها منه هي ساعة سيُركل فيها بالأقدام غير مأسوف عليه.فلا شيء كالعدل والإحسان يُشيد الدول ويقيم الممالك والحضارات