إنا كل شيء خلقناه بقدر
محمد بن عبد اللّه الدويش
في ظل التحديات التي تواجه الدعوة الإسلامية اليوم، وهي تحديات عدة:
· تحديات تتمثل في ضخامة حجم الانحراف في الأمة والبعد عن منهج الله تبارك وتعالى.
· وتحديات تتمثل في الفساد الهائل في الأمة في الميادين الإدارية والسلوكية.
· وتحديات تتمثل في الأمراض الاجتماعية المتغلغلة في الأمة، و فشو الفقر والأمية والتخلف.
· وتحديات تتمثل في التخلف الحضاري والتقني الذي تعاني منه الأمة، وتأخرها عن ركب الأمم الأخرى
· وتحديات تتمثل في مشكلات تعاني منها الدعوة الإسلامية كالفرقة والتناحر والصراع بين فصائل العمل الإسلامي، والخلط في مناهج التغيير وبرامج الإصلاح.
· وتحديات و تحديات....
إن الحديث عن هذه التحديات والعقبات يطول، ويصعب على امرئ استقصاؤه وحصره، وهو حديث كثيراً ما نطرقه ونثيره ونحن نتجاذب أطراف الحديث حول قضية الإصلاح والتغيير.
ومع الإيمان بأهمية إدراك حجم التحديات وضخامتها، وضرورة وضع الأمور في نصابها الصحيح دون تهوين، إلا أن المبالغة، أو التركيز في الحديث على جانب معين من المشكلة يؤدي إلى نتائج في الاتجاه المعاكس. فالمنتظر من الحديث حول العقبات والتحديات أن يؤدي إلى شحذ الهمم ورفع العزيمة، والبذل والتضحية بما يتناسب معها، إلا أن الإفراط في ذلك ربما أدى إلى اليأس، فهل الطاقات المتاحة اليوم، وهل برامج العمل، وهل الصحوة بمؤسساتها الضعيفة،وقدراتها المبددة، وهي مع ذلك غير قادرة على استيعاب خلافاتها وحل مشكلاتها فضلاً عن التغيير في الواقع، هل ذلك كله يمكن أن يوصل إلى التغيير الذي نتطلع إليه في واقع المسلمين اليوم؟
إنه التفكير السريع الذي لا يأخذ في حسبانه إلا العوامل المادية البشرية، لكنه حين يتجاوز ذلك، فيضع في الاعتبار القواعد والمنطلقات الشرعية تختلف النتائج، أينسى أن قدرة الله تبارك وتعالى مطلقة ومشيئته نافذة، وأن ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن؟ وأن قدرته ـ تبارك وتعالى ـ تتجاوز حسابات الناس القريبة واعتباراتهم المنحصرة في العالم المادي المحسوس؟ قال الله ـ تبارك وتعالى ـ
إنا كل شيء خلقناه بقدر. وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر) وقال ـ عز وجل ـ (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون). وأخبر ـ صلى الله عليه و سلم ـ أن الدين سيعلو وينتصر لا محالة، فعن تميم الداري -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ يقول: « ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام وذلاً يذل الله به الكفر» [1]. وعن أبي بن كعب -رضي الله عنه- عن النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ قال: « بشر هذه الأمة بالسناء والنصر والتمكين فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة نصيب» [2]. وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ قال: « إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مئة سنة من يجدد لها دينها » [3].
إنها أخبار صادقة، ووعود لابد من أن تتحقق،فلنتوازن في تفكيرنا، ولا تسيطر علينا الحسابات المادية، ولنعلم أن قدرة الله تبارك وتعالى فوق كل حسابات البشر (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين).
( [1] ) رواه أحمد (4/103) والحاكم بمعناه (4/430).
( [2] ) رواه أحمد (5/134) والحاكم (4/522) وابن حبان (2501).
( [3] ) رواه أبو داود (4291)