بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال تعالى( فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى)لا تمدحوا أنفسكم ، فعلمها عند اللطيف الخبير ، ولا تثنوا عليها فإن
الناقد بصير,وما أجهل الإنسان إذا زكى نفسه وشهد لها
بالفضائل, وبرأها من الرذائل ، وما أثقل كلامه وهو يسوق محامده ويذكر حسناته,إن الذي يزكي نفسه في محل التهمه
وفي مقام الريب، لأن الإنسان بطبيعته ظلوم جهول ، يحب نفسه
ويعشق ذاته ، ويعجب بصفاته ، فإذا نما هذا الطبع وأعلنه في الناس كان دليلاً على قلة تقواه,وأي شيء
عند الإنسان حتى يزكي نفسه وهو بين نعمة لم تشكر,أو
ذنب لم يغفر,أو عثرة لم تظهر,أو زلة من ربه تستر,أفلا يكفيه أن الذي خلقة وصوره وشق سمعه وبصره قبل منه
القليل,وغفر له الذنب الجليل, وأصلح خلله,وستر زلته,ثم يأتي هذا
الإنسان بدعوى عريضة ونفس مريضه ليخبر ربه الذي يعلم السر وأخفى أنه ذو تقوى ، والله أعلم بمن اتقى فهو الذي لا
تخفى عليه خافية,وإن منطلق الزور ولسان البهتان أوحى
إلى إبليس اللعين بتزكية نفسه الشريرة ليقول لربه(أنا خيرّ منه خلقتني من نار وخلقته من طين)لتكون هذه التزكية لعنة
ماحقة وضربة ساحقة لهذا المريد العنيد ،وإن الشهادة الآثمة
للنفس سولت لفرعون الطاغية ليقول(أليس لي ملك مصر)فأذله القوي العزيز وأرغم أنفه في الطين,ألا فليصمت العبد
الضعيف الهزيل,وليسكت المخلوق الفقير,وليخجل العبد
المسكين من ربه, وليهضم نفسه,فلولا ستر الله لظهرت الفضائح,ولولا لطف الله لبدت القبائح,لماذا لا يترك العبد
تزكية نفسه لربه ، فهو الذي يزكي من يشاء وقوله الحق,ولماذا
لا يدع الإنسان أعماله تتحدث عنه لا أقواله,وإحسانه لا لسانه,وسوف يظهر زيف من مدح نفسه بالباطل ، فالناس
شهداء الله في الأرض ،نعوذ بالله من لسان حي بالمديح ، وقلب ميت
بالقبيح ، ومن عجب ظاهر ، وذنب خفي,
فتزكية النفس من أخطر الأمراض القلبية,والشهوات الإبليسية الشيطانية, التي تمثل عائقـاّ من أكبر العوائق أمام إصلاح الفرد
والمجتمع,فالنظر إلى النفس بعين الكمال يُعمي القلب عن رؤية عيوبها وأمراضها التي يجب معالجتها، وهو منبع الكبر والعجب
والحسد,لأن الناظر إلى نفسه بعين الكمال,يشعر أنه يستحق مِن الناس مِن تقديرهم وتعظيمهم وثنائهم أكثر مما أخذه، فيترتب
على ذلك احتقارهم,لكونهم لم يُعطوه حقه ولم يقدروه حق قدره, وإذا وجدهم يثنون على غيره ضاق بذلك وما استساغه؛ فوقع
في تمني زوال النعمة عن أخيه ليتفرد هو,في وهمه وظنه, بالكمال,وظهرت في قول صاحب الجنتين لصاحبه(أَنا أَكثر منك
مالاً وأَعز نفراّ)وهذا المرض العضال لا يختص بأهل الدنيا,بل يقع فيه,أيضاّ من ينتسبون للدين، وإن كان أهل الدنيا يزكون
أنفسهم بكثرة المال، أو الملك والجاه، أو كثرة الأولاد والأتباع، أو المسكن، أو المركب، أو الثياب والقطيفة والخميصة, فإن أهل
الانتساب إلى الدين يزكون أنفسهم,بالعلم، والزهد، والدعوة، وقراءة القرآن، والجهاد، والنفقة في سبيل الله،وكثرة التلامذة
والأتباع,وتزكية النفس تكون على درجات متفاوتة,فأحيانًا تكون داخل النفس دون أن يظهر في الكلام,ويرى الإنسان القشة التي
تظهر في عين أخيه ولا يرى الجذع الذي في عينه،وأحيانًا تزداد حتى تظهر على اللسان؛ فيمدح المرء نفسه، ويعدد كمالاته
ورجحان عقله وفكره وقيادته، وأحيانًا يزداد حتى يُسخِّر من تحته لمدحه، ويجنِّد من يذكر فضائله وينادي في الناس بتفرده،
ويكون مقدار المدح والثناء له الذي يبذله منافقوه,هو المؤهل الأساسي للتقديم والتقريب وتولية المسئوليات,فيوسد الأمر إلى
غير أهله,فيخرب العمل وتضيع الأمانة،النظر إلى النفس بعين الكمال يُعمي القلب عن رؤية عيوبها وأمراضها التي يجب
معالجتها، وهو منبع الكبر والعجب والحسد,فنظرة المؤمن إلى عيوبه وذنوبه تمنع عنه مرض العجب والكبر الذي يُهلكه،
ولجوؤه إلى الله وافتقاره إليه وشعوره بعجزه وأنه لا يستطيع أن يقوم بأمر نفسه وصلاحها لو وكله الله إليها طرفة عين،وحاجتنا
إلى البحث عن عيوبنا أعظم أهمية من دعوة الآخرين لإصلاح عيوبهم،قال أبو بكر,رضي الله عنه, للأنصار,قد رضيت لكم أحد
هذين الرجلين,عمر, أو أبي عبيدة، فقال له عمر,رضي الله عنه,بل نبايعك أنت,رضيك رسول الله,صلى الله عليه وسلم, لديننا،أفلا نرضاك لدنيانا،
ونسأل الله تعالى أن يغفر لنا خطايانا، وأن يدخلنا برحمته في عباده الصالحين.
فيا من أخفيت على الناس العيوب,وسترت عن العيون الذنوب, نسألك صلاح القلوب فإنك علام الغيوب.