وانه لهدى ورحمة للمؤمنين
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على مبعوث الرحمة للعالمين وآله الأطهار وصحبه ومن تبعهم باحسان
قال تعالى ( وانه لهدى ورحمة للمؤمنين ) الآية ، وقال عز من قائل
(ذلك بأن الله هو الحق ) الآية ، فعبد موقوف مع الحق بالحق للحق
يعني موقوف مع الله بالله ولله ، فالحق كل ما فرض على العبد من جانب الله تعالى وكل ما أوجبه الله على نفسه
والحكمة الالهية العلم بحقائق الأشياء وأحوال الموجودات الخارجية
والحكمة تنطق في قلوب العارفين بلسان التصديق ، والحكمة المجهولة هي
ما خفي من وجوه الحكمة في ايجاده حتى يفتح الله بالحق ، وليس بعد النبوة الا الحكمة
والحكمة من جنود الله يرسلها الى قلوب العارفين حتى تروح عنهم وهج الدنيا
والروح نسيم تتنسم به قلوب أهل الحقائق فتتروح من تعب ما حملت من
الرعاية بحسن العناية ( فروح وريحان وجنة نعيم ) الآية.
ولله تعالى أولياء اصطفاهم من بين الخلق انقطعت همتهم عن المتعلقات وفتح عليهم
بابا من المعاني وكشف لهم معاني القرآن برحمة منه فاذا كان العبد مجموعا على الله تعالى
بدا له من المعاني على قدر قربه وحضوره وحبه وله مشرب وفهم من بشارات الله العظيمة
وهنا تتراءى الحكمة بالعلم والحق ، ولا شيء أرق للقلوب أشد استجلابا للحزن
من تلاوة القرآن وتدبره وهذه حكمة رب العالمين الذي يقول سبحانه وتعالى في محكم كتابه العزيز ( وبالحق أنزلناه وبالحق نزل ) الآية ، والقرآن الكريم سماه الله تعالى القرآن الحكيم بتنزل حقائقه وعروج العبد الى التحقق من معانيه العلية شيئا فشيئا على مقتضى الحكمة الالهية التي يترتب عليها علم الله المطلق
فيتحقق العبد برحمة من الله وما ينكشف له من ذلك شيئا بعد شيء وهذا الحكم لا ينقطع
ولا ينقضي بل لا يزال العبد في ترق ولا يزال الحق في تجل اذ لا سبيل الى استيفاء ما لا يتناهى
لأن الحق في نفسه لا يتناهى قال تعالى ( ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم ) الآية
فالقرآن العظيم هنا عبارة عن الجملة الذاتية ، لا باعتبار النزول ولا باعتبار المكانة بل مطلق الأحدية الذاتية الجامعة لجميع المراتب والصفات الكمالية ولذا قرن القرآن بلفظ العظيم وصفا لهذه العظمة ، أما قوله تعالى ( انه لقرآن كريم ) الآية ، أنه يدل على مكارم الأخلاق من رب كريم على رسول كريم على لسان ملك كريم لا يجد طعمه وبركته الا من آمن به ، وقوله تعالى ( بل هو قرآن مجيد ) الآية ، يعني أنه شريف يدعو الى الخير وفيه المأثور من المكارم واسم المجيد من أسماء الله الحسنى ، أي الوافر المجد
أما التأويل وهو ما يهمنا من هذا القول أنه يعتمد على الاجتهاد ويتوصل اليه معرفة مفردات الألفاظ
ومدلولاتها واستنباط معانيها ويقابله التفسير ويخص الآيات المحكمات لتفصيل مجملها وشرح
غامضها ونقل صحيح السنة النبوية المطهرة ، والله يفتح لعبده من علوم القرآن ظاهره وباطنه والاستنباط على قدر التقوى والفتح والتمكين لعبده بالحق.