أنواع التواضع وأقسامه
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
رقم الفتوي: 30864
السؤال:
أعاني من نفسي ميلاً إلى الكبر على الناس والتعالي عليهم وأحب أن أكون متواضعاً فأرجو أن تذكروا لي شيئاً من فضل التواضع وأنواعه لعل الله أن يشرح صدري له.
الجواب:
الحمد لله.
التواضع أعظم نعمة أنعم الله بها على العبد ، قال تعالى:
{ فبما رحمة من الله لنتَ لهم ولو كنتَ فظّاً غليظ القلب لانفضوا من حولك } ..... ( آل عمران: 159 ).
وقال تعالى:
{ وإنك لعلى خلقٍ عظيم } ..... ( القلم: 4 ).
وهو قيامه صلى الله عليه وسلم بعبودية الله المتنوعة ، وبالإحسان الكامل للخلق ، فكان خلُقه صلى الله عليه وسلم التواضع التام الذي روحه الإخلاص لله والحنو على عباد الله ، ضد أوصاف المتكبرين من كل وجه.
" المجموعة الكاملة لمؤلفات الشيخ السعدي " ( 5 / 442 ، 443 ).
وللتواضع أسباب لا يكون المسلم متخلقّاً به إلا بتحصيلها ، وقد بيَّنها الإمام ابن القيم بقوله:
التواضع يتولد من العلم بالله سبحانه ، ومعرفة أسمائه وصفاته ، ونعوت جلاله ، وتعظيمه ، ومحبته وإجلاله ، ومن معرفته بنفسه وتفاصيلها ، وعيوب عملها وآفاتها ، فيتولد من بين ذلك كله خلق هو " التواضع " ، وهو انكسار القلب لله ، وخفض جناح الذل والرحمة بعباده ، فلا يرى له على أحدٍ فضلاً ، ولا يرى له عند أحدٍ حقّاً ، بل يرى الفضل للناس عليه ، والحقوق لهم قِبَلَه ، وهذا خلُق إنما يعطيه الله عز وجل من يحبُّه ، ويكرمه ، ويقربه.
" الروح " ( ص 233 ).
وقد جاء في ثواب التواضع الفضل الكبير ، ومنه:
عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" ما نقصت صدقةٌ من مال ، وما زاد الله عبداً بعفوٍ إلا عزّاً ، وما تواضع أحدٌ لله إلا رفعه الله " ..... (
رواه مسلم ( 2588 )
وبوَّب عليه النووي بقوله " استحباب العفو والتواضع ".
قال النووي:
قوله صلى الله عليه وسلم:
" وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله ":
فيه وجهان:
أحدهما : يرفعه في الدنيا ، ويثبت له بتواضعه في القلوب منزلة ، ويرفعه الله عند الناس ، ويجل مكانه.
والثاني: أن المراد ثوابه في الآخرة ، ورفعه فيها بتواضعه في الدنيا.
قال العلماء:
وقد يكون المراد الوجهين معا في جميعها في الدنيا والآخرة ، والله أعلم.
" شرح مسلم " ( 16 / 142 ).
والتواضع يكون في أشياء ، منها:
1- تواضع العبد عند أمر الله امتثالاً وعند نهيه اجتناباً.
قال ابن القيم:
فإن النفس لطلب الراحة تتلكأ في أمره ، فيبدو منها نوع إباء هرباً من العبودية ، وتتوقف عند نهيه طلباً للظفر بما منع منه ، فإذا وضع العبد نفسه لأمر الله ونهيه : فقد تواضع للعبودية.
" الروح " ( ص 233 ) بتصرف.
2- تواضعه لعظمة الرب وجلاله وخضوعه لعزته وكبريائه.
قال ابن القيم:
فكلما شمخت نفسُه: ذَكَر عظمة الرب تعالى ، وتفرده بذلك ، وغضبه الشديد على من نازعه ذلك ، فتواضعت إليه نفسه ، وانكسر لعظمة الله قلبه ، واطمأن لهيبته ، وأخْبت لسلطانه ، فهذا غاية التواضع ، وهو يستلزم الأول من غير عكس.
( أي يستلزم التواضع لأمر الله ونهيه ، وقد يتواضع لأمر الله ونهيه من لم يتواضع لعظمته ).
والمتواضع حقيقة:
من رزق الأمرين ، والله المستعان.
" الروح " ( ص 233 ).
3- التواضع في اللباس والمشية.
عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" بينما رجل يجرُّ إزاره من الخيلاء خُسف به فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة " ..... (
رواه البخاري ( 3297 ) ،
ورواه البخاري ( 5452 ) ومسلم ( 2088 ) من حديث أبي هريرة ، ولفظ البخاري : " بينما رجل يمشي في حلُّة تعجبه نفسه مرجِّل جمُّته إذ خَسف الله به فهو يتجلجل إلى يوم القيامة ".
يتجلجل:
ينزل في الأرض مضطرباً متدافعاً.
مرجل جمته:
الترجيل هو تسريح الشعر ودهنه.
والجمة:
هي الشعر المتدلي من الرأس إلى المنكبين.
4- التواضع مع المفضول فيعمل معه ويعينه.
عن البراء بن عازب قال كان النبي صلى الله عليه وسلم ينقل معنا التراب يوم الأحزاب ولقد رأيته وارى التراب بياض بطنه يقول:
" لولا أنت ما اهتدينا نحن ولا تصدقنا ولا صلينا فأنزلن سكينة علينا إن الألى وربما قال الملا قد بغوا علينا إذا أرادوا فتنة أبينا أبينا يرفع بها صوته " ..... (
رواه البخاري ( 6809 ) ومسلم ( 1803 ) ).
5- التواضع في التعامل مع الزوجة وإعانتها.
عن الأسود قال:
" سألتُ عائشة ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته ؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله - تعني: خدمة أهله - ، فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة " ..... (
رواه البخاري ( 644 ) ).
قال الحافظ ابن حجر:
وفيه: الترغيب في التواضع وترك التكبر ، وخدمة الرجل أهله.
" فتح الباري " ( 2 / 163 ).
6- التواضع مع الصغار وممازحتهم.
عن أنس قال:
" كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسنَ الناس خلُقاً ، وكان لي أخ يقال له " أبو عمير " - قال: أحسبه فطيماً - وكان إذا جاء قال: يا أبا عمير ما فعل النغير " ..... (
رواه البخاري ( 5850 ) ومسلم ( 2150 ) ).
قال النووي:
" النُّغيْر " وهو طائر صغير.
و" الفطيم " بمعنى المفطوم.
وفي هذا الحديث فوائد كثيرة جدّاً منها:
... ملاطفة الصبيان وتأنيسهم ، وبيان ما كان النبي صلى الله عليه وسلم عليه من حسن الخلُق وكرم الشمائل والتواضع.
" شرح مسلم " ( 14 / 129 ).
7- التواضع مع الخدم والعبيد.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" إذا أتى أحدَكم خادمُه بطعامه فإن لم يجلسه معه فليناوله لقمة أو لقمتين أو أكلة أو أكلتين فإنه وليَ حرَّه وعلاجَه " ..... (
رواه البخاري ( 2418 ) و ( 5144 ) ومسلم ( 1663 ) ).
ومعنى " ولي حرَّه وعلاجه ":
أي عانى مشقة صُنع الطعام والقيام على تقديمه ، وفي رواية مسلم " وليَ حرَّه ودخانه ".
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من المتواضعين لعظمته.
والله أعلم.
فضيلة الشيخ / محمد صالح المنجد
( موقع الإسلام سؤال وجواب )