الحمد لله رب العالمين وصلاة وسلاما على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين........ أما بعد
فينبغي للعاقل أن يلازم باب مولاه على كل حال وأن يتعلق بذيل فضله إن عصى وإن أطاع.
وليكن له أنس في خلوته به فإن وقعت وحشة فليجتهد في رفع الموحش كما قال الشاعر:
أمستوحش أنت مما جنيت....................فأحسن إذا شئت واستأنس
فإن رأى نفسه مائلاً إلى الدنيا طلبها منه أو إلى الآخرة سأله التوفيق للعمل لها.
فإن خاف ضرر ما يرومه من الدنيا سأل الله إصلاح قلبه وطب مرضه فإنه إذا صلح لم يطلب ما يؤذيه.
ومن كان هكذا كان في العيش الرغد غير أن من ضرورة هذه الحال ملازمة التقوى فإنه لا يصلح الأنس إلى بها.
وقد كان أرباب التقوى يتشاغلون عن كل شيء إلا عن اللجأ والسؤال.
وفي الخبر: إن قتيبة بن مسلم لما صاف الترك هاله أمرهم فقال: أين محمد بن واسع فقيل: هو في أقصى الميمنة جانح على سية قوسه يومىء بإصبعه نحو السماء فقال قتيبة: تلك الأصبع الفاردة أحب إلي من مائة ألف سيف شهير وسنان طرير فلما فتح عليهم قال له: ما فصل الثرثرة بالنعم ينبغي لمن تظاهرت نعم الله عز وجل عليه أن يظهر منها ما يبين أثرها ولا يكشف جملتها وهذا من أعظم لذات الدنيا التي يأمر الحزم بتركها فإن العين حق.
وإني تفقدت النعم فرأيت إظهارها حلواً عند النفس إلا أنها أظهرت لوديد لم يؤمن تشعث باطنه بالغيظ.
وإن أظهر لعدو فالظاهر إصابته لموضع الحسد إلا أنني رأيت شر الحسود كاللازم فإنه في حال البلاء يتشفى وفي حال النعم يصيب بالعين.
ولعمري إن المنعم عليه يشتهي غيظ حسوده ولكنه لا يؤمن أن يخاطر بنعمته فإن الغالب إصابة الحاسد لها بالعين فلا يساوي الالتذاذ بإظهار ما غيظ به ما أفسدت عينه بإصابتها.
وكتمان الأمور في كل حال فعل الحازم فإنه إن كشف مقدار سنه استهرموه إن كان كبيراً واحتقروه إن كان صغيراً.
وإن كشف ما يعتقده ناصبه الأضداد بالعداوة: وإن كشف قدر ماله استحقروه إن كان قليلاً وحسدوه إن كان كثيراً وفي هذه الثلاثة يقول احفظ لسانك لا تبح بثلاثة سن ومال ما استطعت ومذهب فعلى الثلاثة تبتلى بثلاثة بمموّه وممخرق ومكذب وقس على ما ذكرت ما لم أذكره ولا تكن من المذاييع الغر الذين لا يحملون أسرارهم حتى يفشوها إلى من لا يصلح.
ورب كلمة جرى بها اللسان هلك بها الإنسان