لماذا الدعاء؟
المجيب د. علي بن حسن الألمعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/ الدعاء/فضل الدعاء
السؤال
فضيلة الشيخ: تحية واحتراماً. وبعد:
تأتيني حالات أدعو الله كثيراً وبشدة، بأن يجعل لي من أمري رشدا،وأن يعطيني من فضله، وتارة أخرى أقول: طالما أن الإنسان عمره محسوب، ورزقه مقسوم لا يصله أي كائن من كان، والرزق حتى للمشرك معروف منذ الطفولة، وسواء صبرت أو جزعت فالأمر سيان والرزق آت، فلماذا الدعاء؟ أم الدعاء يعجِّل بالرزق؟ عفواً هذا ليس يأساً ولا قنوطاً مني. ختاماً تقَّبل فائق احترامي وتقديري.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد:
فالذي ينبغي أن يعلم أن الدعاء من أجل ما يتقرَّب به العبد إلى ربه - عز وجل- وقد ورد الأمر به في كثير من نصوص الكتاب والسنة، قال تعالى: "وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ" [غافر:60]، وفي الحديث "الدعاء هو العبادة" خرجه الإمام أحمد(17888)، والترمذي(3247)،
وابن ماجة(3828)، ومن المعلوم أن الدعاء على قسمين: دعاء عبادة، ويشمل جميع ما يتقرب به العبد إلى ربه من أنواع العبادة، ودعاء مسألة يطلب فيه السائل أمراً خاصاً. وكلاهما مطلوب من العبد فعله، ولا يلزم من الإجابة تحقق عين المطلوب، بل قد يحصل له خير مما طلب، ففي الحديث عن جابر - رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: "ما من عبد مسلم يدعو بدعاء، إلا آتاه الله ما سأل، أو ادخر له في الآخرة خيراً منه، أو كف عنه من السوء مثله ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم" خرجه الترمذي(3381).
وسؤالك هذا يدور حول علاقة الدعاء بالقضاء؟
وهل يرد الدعاء القضاء؟
هي مسألة أجاب عنها الشيخ محمد بن عثيمين - رحمه الله-بقوله: (الدعاء من الأسباب التي يحصل بها المدعو وهو في الواقع يرد القضاء، ولا يرد القضاء إلا الدعاء، يعني له جهتان، فمثلاً: هذا المريض قد يدعو الله تعالى بالشفاء فيشفى، فهنا لولا هذا الدعاء لبقي مريضاً، لكن بالدعاء شُفي، إلا أنا نقول: إن الله سبحانه وتعالى قد قضى بأن هذا المرض يشفى منه المريض بواسطة الدعاء، فهذا هو المكتوب. يظن أنه لولا الدعاء لبقي المرض، ولكنه في الحقيقة لا يرد القضاء، لأن الأصل أن الدعاء مكتوب، وأن الشفاء سيكون بهذا الدعاء، هذا هو القدر الأصلي الذي كتب في الأزل، وهكذا كل شيء مقرون بسبب، فإن هذا السبب جعله تعالى سبباً يحصل به الشيء، وقد كتب ذلك في الأزل قبل أن يحدث، انظر المجموع الثمين من فتاوى فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ج 1/157، والحاصل أيتها السائلة أن علم الله السابق بما كان وما سيكون وكتابته مقادير الخلائق أزلاً أمر يجب اعتقاده والتسليم به، لكنه لا يكون حجة للعبد في ترك ما أمر الله وشرع من فعل الأسباب والأخذ بها طاعة لله واستجابة لأمره وطلباً لمرضاته، ومن أهم ما أمر الله به ودعا الناس إلى فعله، وجعله من أهم الأسباب المعينة على تحقيق المطالب الدعاء، فادعي الله وألحي في الدعاء، واخلصي في التوجه إلى الله، ولا تبطئي الإجابة واشغلي نفسك بذكر الله وطاعته وامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، ولا تشغلي نفسك بسؤال الله عما يفعل ولم يفعل، ربنا كذا وكذا ، فإنه - جل وعلا- "لا يسأل عما يفعل وهم يسألون" [الأنبياء:23]
والله الموفق. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.