الشريعة بين المُجّمِل والمجامل !
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها الكرام
فأخط هذه الكلمات لعلها تقع من إخواني موقعاً حسناً ينفع الله به من شاء منهم ، وأصل هذا أيها الأحبة أن رأيت على ضعفي وقلت بضاعتي رواج هذان الصنفان بين بعض دعاة أهل السنة فنصح لهم ولنفسي أقول :
المجمل أيها الكرام هو الذي يأتي بألفاظ مجملة ويذم أشياء مجملة يحتاج السامع فيها إلى تفصيل فقد تسمع لأحدهم الساعة في ذم شيء ولا تدري أي شيء يريد بذمه ذاك
قال ابن القيم رحمه الله :
فعليك بالتفصيل والتمييز فالا***طلاق والاجمال دون بيان
قد أفسدا هذا الوجود وخبطا الـ***ـأذهان والآراء كل زمان
قال شيخنا الشيخ صالح آل الشيخ (فالمجملات والمحتملات لا يستعملها السلف في العقيدة، كلامهم واضح فيها لأن المقام مقام وضوح ) وقال في موطن آخر (الإجمال موجود في الكتاب والسنة ولكنه إجمال وثَمّ تفصيل له، فمن اقتصر على الإجمال دون التفصيل فهو على غير السبيل).
فإن عجبي لا يكاد يتقطع ممن يدعي السنة ولها يدعو بزعمه عندما يتكلم في مواضع العقيدة أو في المواضيع التي تشرأب أعناق مريديه لكي يسمعوا منه فيها موضع الفصل يأتي الكلام عائماً على أي وجه قلبته احتمله المعنى!
ثم يقوم مريدوه الذي لا أدري كيف لم يسأموا من الترقيع لكلام شيخهم المسكين الذي يتعمد الإجمال في مواطن التفصيل فيقولون (لكنه رجل ذكي) !! ما علاقة ذكائه بالموضوع لا أدري !!
فالتحذير من الشرك إجمالاً ومن البدع إجمالاً ومن أهلها إجمالاً من غير التفصيل وذكر صور الشرك والبدع والتحذير من أهل الشرك والبدع المعروفون لا ينفع سامعه
قال جل وعلى{ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ }.
قال الطاهر بن عاشور رحمه الله : (وَقَدْ أُخِذَ عَلَيْهِمُ الْمِيثَاقُ بأمرين: هما بَيَان الْكِتَابُ أَيْ عَدَمُ إِجْمَالِ مَعَانِيهِ أَوْ تَحْرِيفِ تَأْوِيلِهِ، وَعَدَمُ كِتْمَانِهِ أَيْ إِخْفَاءِ شَيْءٍ مِنْهُ)
فعلى من أتاه الله العلم وصعد منبرً من منابر الدعوة أن لا يستخف بميثاق الله عز وجل وأن يبين دين الله وأن ينصر سنة النبي صلى الله عليه وسلم والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لايعلمون
أما النوع الثاني منهم فذاك هو المجامل فلا يُذم أهل البدع في مجلسه إن لم يثنى عليهم !
بل قد يذم أهل السنة الذين فيهم شدة وغلو ولا يذم أهل البدعة على جفائهم من السنة وأهلها !!
وهذا نوع من التدليس على الناس ولبس الحق على من قد يشتبه الحق في نظره فقد تعقب ابن كثيرٍ رحمه الله ابن خلكان بعد ثنائه على ابن الراوندي في ترجمته له فقال ابن كثير في تاريخه (وقد ذكره ابن خلكان في الوفيات ودلس عليه ولم يجرحه بشئ، ولا كأن الكلب أكل له عجينا، على عادته في العلماء والشعراء، فالشعراء يطيل تراجمهم، والعلماء يذكر لهم ترجمة يسيرة، والزنادقة يترك ذكر زندقتهم.)
ولا يعني ذم هذين النوعين آنفي الذكر هو إطلاق العنان للسان فيسرح ويمرح وتستباح الأعراض التي حرم الله عز وجل بجهل وهوى فنصر السنة لا يكون بباطل فالحق غني عن أن ينصر بالكذب والظلم بل أوصي نفسي وإخواني واختم بهذه الوصية
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
وتحقيق الأمر أن الكلام بالعلم الذي بينه الله ورسوله مأمور به وهو الذي ينبغي للإنسان طلبه وأما الكلام بلا علم فيذم ومن تكلم بما يخالف الكتاب والسنة فقد تكلم بلا علم وقد يتكلم بما يظنه علما : إما برأي رآه وإما بنقل بلغه ويكون كلاما بلا علم وهذا قد يعذر صاحبه تارة وإن لم يتبع وقد يذم صاحبه إذا ظلم غيره ورد الحق الذي معه بغيا
كما ذم الله ذلك بقوله : { وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم } فالبغي مذموم مطلقا سواء كان في أن يلزم الإنسان الناس بما لا يلزمهم ويذمهم على تركه أو بأن يذمهم على ما هم معذورون فيه والله يغفر لهم خطأهم فيه فمن ذم الناس وعاقبهم على ما لم يذمهم الله تعالى ويعاقبهم فقد بغى عليهم لا سيما إذا كان ذلك لأجل هواه
وقد قال تعالى : { ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله } والله تعالى قد قال : { وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا * ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات }
فالسعيد من تاب الله عليه من جهله وظلمه وإلا فالإنسان ظلوم جهول وإذا وقع الظلم والجهل في الأمور العامة الكبار أوجبت بين الناس العداوة والبغضاء فعلى الإنسان أن يتحرى العلم والعدل فيما يقوله في مقالات الناس فإن الحكم بالعلم والعدل في ذلك أولى منه في الأمور الصغار
وقد قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ القضاة ثلاثة : قاضيان في النار وقاض في الجنة رجل علم الحق وقضى به فهو في الجنة ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار ورجل علم الحق وقضى بخلافه فهو في النار ] فإذا كان هذا فيمن يقضي في درهم وثوب فكيف بمن يقضي في الأصول المتضمنة للكلام في رب العالمين وخلقه وأمره ووعده ووعيده ؟