هل يجمع قلبك بين حبٍّ في الله وبغض فيه ؟
محمد عادل فارس
دعُونا نبدأ من كلمة التوحيد "لا إله إلا الله" فهي تعني أن لا معبود بحق إلا الله، أي لا محبوب حباً مطلقاً، ولا مرهوب رهبة مطلقة، ولا مطاع طاعة مطلقة... إلا الله - سبحانه -.
فحب الله - سبحانه - هو عنوان التوحيد: (ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحبّ الله والذين آمنوا أشد حباً لله)[سورة البقرة: 165].
ومع أن بداهة العقول تقتضي ممن يحبّ الله أن يحبّ في الله، فيحبّ أحباب الله من الأنبياء والصديقين والصالحين، وأن يبغض في الله، فيُبغض أعداء الله، وأعداء رسوله، وأعداء أصحاب رسوله - صلى الله عليه وسلم -...
نقول: مع أن بداهة العقول تقتضي ذلك فقد جاءت النصوص الكريمة من كتاب الله -تعالى- وأحاديث نبيه - صلى الله عليه وسلم - لتؤكده وتوضّحه.
فمن وجد قلبه قد نضب من حب الله، أو من الحب في الله، أو غَفل عن البغض في الله وكراهية ما يبغضه الله... فليتفقّدْ إيمانه، وليجدّدْ إيمانه.
نقرأ أولاً قول الله - تعالى -: (... ولكنَّ الله حبَّب إليكم الإيمان وزيّنه في قلوبكم وكرَّه إليكم الكفر والفسوق والعصيان. أولئك هم الراشدون)[سورة الحجرات: 7].
ونقرأ أحاديث كثيرة من أحاديث نبينا المصطفى - صلى الله عليه وسلم - . منها:
عن عمرو بن الجموح - رضي الله عنه - أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((لا يجدُ العبدُ صريح الإيمان حتى يحبَّ لله - تعالى -، ويُبغضَ لله تعالى))[رواه أحمد والطبراني].
وعن أبي أمامة - رضي الله عنه -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من أحبّ لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان))[رواه أبو داود].
وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((... وهل الدين إلا الحب في الله، والبغض في الله))[أخرجه الحاكم، وقال: صحيح الإسناد].
وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((أحبّ الأعمال إلى الله: الحب في الله، والبغض في الله))[حديث حسن، أخرجه السيوطي في الجامع الصغير].
ومعنيان آخران رديفان للحب في الله والبغض فيه: إنهما الشدة على الكفار، والرحمة للمؤمنين، أو العزة على الكافرين والذلة للمؤمنين:
قال - تعالى- يصف النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه الكرام: (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم)[سورة الفتح: 29].
وقال - سبحانه - يصف الجيل الذي ينقذ الأمة إذا وقعت في الردّة: (يأيها الذين آمنوا من يرتدَّ منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبّهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزّة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم...)[سورة المائدة: 54].
ونلاحظ أن نص الآية الكريمة هكذا: (أذلة على المؤمنين) وليس أذلة للمؤمنين، وهي إشارة إلى أن تذلل المؤمن لأخيه يرفعه عليه ولا يجعله دونه، والله أعلم.
اختبار القلب:
وليختبر أحدنا قلبه حتى لا يقع ضحية خدعة الشيطان، فقد يبغض أحدنا صاحبه ويحسَبُ أنه يبغضه في الله. فليصارح نفسه: هل كان منصفاً فيذكر حسنات أخيه هذا كما يذكر سيئاته؟ وهل يبغض الكفرة والفسقة الذين هم أشد معصية لله، كما يبغض أخاه هذا؟.
مكانة الحب في الله لا تكاد تدانيها مكانة !
والحب في الله قرين الإيمان وثمرته، ولذلك يبلغ المؤمن به درجة عالية عند الله، قلَّ أن يدركها بعمل آخر. إنه كالإيمان: أمر يستقر في القلب فيثمر أعمالاً في الجوارح، وإنه ?كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، تؤتي أُكُلها كل حين بإذن ربّها?.
عن أنس - رضي الله عنه - أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه: متى الساعة؟ قال: ((وما أعْددتَ لها؟)) قال: لا شيء إلا أني أحب الله ورسوله. قال: ((أنتَ مع من أحببت)) قال أنس: فأنا أحب النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر وعمر، وأرجو أن أكون معهم بحبِّي إياهم" [رواه البخاري ومسلم].
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، كيف تقول في رجل أحبَّ قوماً ولم يلحَقْ بهم؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((المرء مع من أحب))[رواه البخاري ومسلم].
وعن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((قال الله - تعالى -: وجبتْ محبتي للمتحابين فيَّ، والمتجالسين فيَّ، والمتزاوينّ فيّ، والمتباذلين فيّ))[رواه مالك].
* ومن أحب في الله ذاق حلاوة الإيمان
عن أنس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ثلاث من كنَّ فيه وجد بهنّ حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحبّ إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه، كما يكره أن يُقذَف في النار))[رواه البخاري ومسلم].
وحتى يتحقق الحب في الله وينغرس في القلوب ويصبح شأناً راسخاً في علاقة المؤمن بأخيه المؤمن، جاءت جملة التوجيهات الإسلامية لتؤكد كل ما يحقق هذا الحب ويعمقه، وتنهى عن كل ما يخدش هذا الحب أو ينزعه من القلوب.
جاءت الأحاديث النبوية تدعو إلى بر الوالدين وصلة الرحم ورعاية اليتيم وبذل السلام وتوقير الكبير ورحمة الصغير...
وتنهى عن الغيبة والنميمة والغش والغدر، والمنّ بالعطية، والهجران بين المسلمين، وتناجي اثنين دون الثالث، والشماتة وسوء الظن والتجسس واحتقار المسلم والحسد والكبر...
ويكفي أن نذكر هذا الحديث العظيم:
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إياكم والظن، فإن الظنّ أكذبُ الحديث، ولا تحسَّسوا، ولا تجسَّسوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا))[رواه البخاري].
اختبار آخر:
ومن المهم أن يختبر الإنسان قلبه: هل هو فعلاً عامرٌ بحب الله، وحب أولياء الله، وأحباب الله، وشريعة الله، وأحكام الله؟!.
وهاكم بعضَ الروائز في آية عظيمة من كتاب الله - تعالى -:
- (قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانُكم وأزواجُكم وعشيرتكم وأموالٌ اقترفتموها وتجارةٌ تخشَون كسادها ومساكنُ ترضَونها أحبَّ إليكم من الله ورسوله وجهادٍ في سبيله فتربّصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين)[سورة التوبة: 25].
فهل يفرح أحدنا لنجاحاتٍ يحققها بعض إخوانه؟ وهل يقدِّم له الرأي والمعونة بالخبرة والمال والجهد ليعينه على النجاح؟ وهل يتعاون معه على البر والتقوى ليكون مع إخوانه فريقَ عمل متفاهم؟ وإذا وجد في بعض إخوانه ثلمةً أو خطيئة فهل يدفعه هذا إلى فضحهم والتشهير بهم، أو يدفعه إلى نصْحهم؟ وهل يسُرُّه ما يسرُّهم، ويحزنه ما يحزنهم؟...
إنها روائز تصلح لكي يختبر أحدنا مدى رسوخ معاني الحب في الله، في قلبه.
اللهم اجعلنا ممن يحبك ويحب أنبياءك وأولياءك والدعاة إليك والمجاهدين في سبيلك والعاملين لنصرة دينك