لماذا نعصي الله؟!
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
لماذا نعصي الله؟ سؤال مهم جدا يجب علينا أن نوجهه لأنفسنا؟ ونحاول الإجابة عنه. لماذا يقع العباد في معصية رب الأرباب ومسبب الأسباب وخالق الناس من تراب؟!
والجواب:
نعصي الله -تبارك وتعالى- لأننا غفلنا أو تغافلنا عن الهدف الذي من أجله خلقنا الله: قال الله تعالى: وما خلقت الجنّ والإنس إلّا ليعبدون سورة الذاريات(56 ).. فالله -تبارك وتعالى- لم يخلقنا عبثا ولم يتركنا سدى وهملا بل خلقنا لهدف وهو عبادته وحده لا شريك الله: وما أمروا إلّا ليعبدوا اللّه مخلصين له الدّين حنفاء سورة البينة(5).
نعصي الله تبارك وتعالى لأن إيماننا بالله وباليوم الآخر ضعيف ولذلك نجد أن نصوص الكتاب والسنة كثيرا ما يقرن فيها بين الإيمان بالله واليوم الآخر فمثلا جاء في الحديث الذي أخرجه البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره...). وفي البخاري أيضا: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم-: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة ليس معها حرمة). وهكذا من ضعف إيمانه بالله وباليوم الآخر فإنه سيقع في معصية الله فيترك الصلوات ويقع في كبائر الذنوب من سرقة وزنى وخمر وما إلى ذلك من الذنوب العظيمة!.
نعصي الله -تبارك وتعالى- لجهلنا بعظمة الله -عز وجل- وعظيم قدره قال الله تعالى: قتل الإنسان ما أكفره سورة عبس(17). فبسبب جهله بالله كفر بالله وعصاه. ولو عرف الله حق معرفته لما وقع في المعصية والمخالفة. يقول ابن القيم -رحمه الله-: "النفوس الجاهلة الضالة أسقطت عبودية الله سبحانه وأشركت فيها من تعظمه من الخلق فسجدت لغير الله وركعت له وقامت بين يديه قيام الصلاة وحلفت بغيره ونذرت لغيره وحلقت لغيره وذبحت لغيره وطافت لغير بيته وعظمته بالحب والخوف والرجاء والطاعة كما يعظم الخالق بل أشد وسوت من تعبده من المخلوقين برب العالمين"1. وبين النبي -صلى الله عليه وسلم- أن من أسباب الوقوع في معاصي الله: الجهل وقلة العلم فقد ثبت في الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إنّ من أشراط السّاعة أن يرفع العلم ويثبت الجهل ويشرب الخمر ويظهر الزنى).
ونعصي الله -تبارك وتعالى- تعمدا باتباعنا لخطوات الشيطان والله قد حذرنا من ذلك فقال: يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّبعوا خطوات الشّيطان فمن خالف هذه الآية فإنه سيقع في معصية الله لأن الله قال بعدها مباشرة: ومن يتّبع خطوات الشّيطان فإنّه يأمر بالفحشاء والمنكر سورة النور(21) فالشيطان لديه سياسة رهيبة في إيقاع الإنسان في معصية الله فهو يسير مع الإنسان على وفق آلية معينة خطوة خطوة وزلة بعد زلة ونكبة بعد نكبة حتى تقع المصيبة والفتنة!!.
نعصي الله -تعالى- لأننا اغتررنا بعفوه ورحمته مع الإساءة في العمل. فتجد كثيرا من العصاة إذا نصحوا أو ذكّروا يقولون: الله غفور رحيم فيقال لهم: إن الله غفور رحيم هذا أمر لا شك فيه ولا ريب ولكن مغفرته لمن تكون؟! ألم تقرؤوا قول الله: وإنّي لغفّار لّمن تاب وآمن وعمل صالحا ثمّ اهتدى سورة طه(82). فمغفرة الله لمن تاب وصدق في توبته.. ألم تقرؤوا قول الله تعالى: نبّئ عبادي أنّي أنا الغفور الرّحيم * وأنّ عذابي هو العذاب الأليم سورة الحجر(46- 50 ) وقال تعالى: غافر الذّنب وقابل التّوب شديد العقاب سورة غافر(3) فالله غفور رحيم لمن تاب إليه وأناب وهو شديد العقاب لمن خالف أمره وارتكب نهيه.
ونعصي الله عند مخالطتنا لأهل المعاصي والمنكرات ذلك أن مخالطة قرناء السوء ومجالستهم قد توقع الجليس في المعصية فالقرين بالمقارن يقتدي ويود الفاجر أن يكون الناس كلهم مثله وكما قيل: "ودت الزانية لو أن النساء كلهن زواني" حتى لا تصحب عارا ونشازا في المجتمع فهي تسعى إلى تكثير سوادها.. وفي الأخير نرجو من الله أن نكون وقد وفقنا للإجابة على السؤال: لماذا نعصي الله؟
فإذا وجد السبب سهل علينا حل المشكلة فلنبتعد عن تلك الأسباب التي توقعنا في معصية الله ولنحرص على تقوية صلتنا به.
نسأل الله أن يجنبنا معصيته ويعيننا على طاعته ويوفقنا لما يحبه ويرضاه. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين