نبأ نيوز- رئيسة التحرير:
آلاء الصفار-
من عام إلى عام تتضاءل
حفاوة شعوبنا بأعيادها، ويجد
المرء نفسه مكرهاً على قول
"كل عام وأنتم بخير"،
فالنفوس حُبلى بثقافة أخرى
قاتمة، لا محل فيها للحب أو
التفاؤل، بل جلها الكراهية،
والتشاؤم، والترهيب.. وتسمع
فحيح أحقادها حتى تظن أنك
بين يدي ملك الموت، تتجرع
سكرات الرحيل..!
من عام إلى عام، يشتد فحيح
الأقلام، وتستعر أهوال
الفواجع فوق المنابر، ويحتد
دوي البيانات والخطابات،
ويباح الكذب والشتم واللعن
وحتى قذف الأعراض. فثمة
من يكرس إحلال "ديمقراطية
الجاهلية الأولى" بديلاً لقيم
الإسلام، ليرتد بالأمة العظيمة
إلى حضيض ضلالتها، فيجعل
لها "أصناماً" سياسية
و"أوثاناً" حزبية ومدنية من
أراذل القوم، تستبدل سلام
الإسلام بالإرهاب والتخريب..
وحرمة قتل النفس، بتمجيد
الذبح على الهوية.. ووحدة
الأمة، بمشاريع تمزيق
انفصالية.. وحُرمة الحرابة،
بتحليل التقطع والنهب
والسلب.. وحُب العمل،
بتخريب كل بناء.. وشكر
النعم، بالجحود والنكران..
والصدق والأمانة، بالبهتان
والخيانة.. وحفظ الدين
والأوطان، بموالاة أعداء
الإسلام ودعوتهم لغزو البلد
المسلم..!!
أتلك هي "ديمقراطية" أم
حربٍ على عقيدة الأمة
الإسلامية..!؟ أتلك هي
"ديمقراطية" يا من تتمنطقون
بالشعارات السياسية
والوطنية، أم غزوة صليبية
بربرية همجية لطمس كل
ملامح هويتنا الإسلامية، ودفن
قيمنا الأخلاقية، وإعادتنا إلى
عصر الجاهلية، ومجتمع الغاب
الذي يحكمه الأشد فتكاً
بالبشرية، والأبلغ سقوطاً
بالرذيلة..!؟
فيا عجبي أن تسمون لعن
الوطن "وطنية"، وتفاخرون
بشتمه وتسمون فعلكم "حركة
ثورية"، وتحللون كل ما حرّم
الله وتدعون أنها "صحوة
تغييرية".. وتحرضون،
وتفتنون، وتفسدون، وتعدونها
"ممارسات حقوقية"..!! فهل
سمعتم بوذياً أو هندوسياً أو
يهودياً يلعن قومه، ويشهّر بهم
من فوق كل منبر كما
تفعلون..!؟ وهل سمعتم
أحدهم يفاخر بالأكل من
القمامة، وتفشي الدعارة،
مثلما تشيعون..!؟ غير أنها-
والله- حرب لتكريس ثقافة
السقوط، وترويض مسامع
المجتمع المحافظ على
ظواهر الانحطاط..!!
قد لا يعي البعض لماذا كل
هذا التكالب على اليمن،
ولماذا إنبرى كل من هب ودبّ
يطعن بظهرها، ويشوه
صورتها، للحد الذي شبهتها
صحيفة خليجية بـ"أفغانستان
أيام الاحتلال السوفيتي" في
دعوة مبطنة لهواة القتل باسم
"الجهاد"..!! ذلك لأن اليمن
هي من يحمل هوية الأمة
العربية، ولن يجرؤ أحد على
وجه الكرة الأرضية الإدعاء
بعروبته إن لم يعد لليمن
وجود.. ولأن العروبة والإسلام
صنوان لا يفترقان، فإن أي
استهداف لأحدهما لابد أن
يطول "مهد العروبة".
ولأن اليمن بلد عنيد لم تكسر
شوكة موقفه الشعبي أولاً ثم
الرسمي ثانياً مشاريع الدول
الكبرى.. فلا هو ممن هرول
للتطبيع مع إسرائيل- ولو
سراً؛ ولا هو ممن تخلى عن
موقفه من قضية فلسطين
وغيرها؛ ولا هو ممن وافق
على توقيع اتفاقية أمنية مع
أمريكا، أو فتح أراضيه لإقامة
قواعد عسكرية. ورغم سعة
تعاونه الأمني الرسمي،
وخطورة تحدياته، إلاّ أن
الغرب ظل يصطدم يومياً
بموقف شعبي أصلب من
سابقه ضد أي تدخل أجنبي..
هذا الكبرياء من "شعب فقير"
ودولة غارقة بالهموم، لم
يستفز الدول الكبرى وحسب،
بل أثار غيظ دولاً إقليمية
طأطأت رؤوسها في وقت
مبكر، ودخلت "بيت الطاعة"
ذليلة منصاعة، رغم الفارق
الهائل بأوضاعها ومواردها..
فلم يكن مفاجئاً أن تجند
أبواقها في "حملة التشهير
الكبرى"، وتفتح أراضيها
لاحتضان المخربين ودعاة
مشاريع تمزيق اليمن..!!
اليمن التي لم يرجفها نزيف
الملايين من الدولارات التي
ضختها أقطاب خارجية لدعم
انفصال 1994م، ولا قرارات
دولية اضطر بعض ممثلي
الحكومات لتقبيل الأيادي
لإصدارها؛ أدهشت العالم
بإسقاط الخرافة السوفيتية
في أقصى جنوب غرب شبه
الجزيرة العربية، والتي كانت
ترتعد منها فرائص كثير من
الأنظمة المتخوفة من زحف
المد الماركسي "الشيوعي"
إلى بلدانها.. رغم أن اليمن
هو البلد الأفقر في المنطقة،
ولم يكن يملك سوى أسلحة
تقليدية أكل الدهر عليها
وشرب.
اليمن التي لم تطلب من أحد
الاعتذار عن تآمره المعلن
لتفتيت وحدتها في 1994م،
وصار شعبها الأفقر يزهو
بممارسة الحريات
الديمقراطية، عادوا إليها من
بوابة الإرهاب ليجعلوها وجهة
يصدرون إليها كل متردية
ونطيحة عفنت بمستنقعات
الفكر الآسن، ليفسدوا
انفتاحها، ويذلوا كبريائها بعد
أن صار العالم يتحدث عن
مشاريع بريادتها لتصدير
الثقافة الديمقراطية من الدولة
الأفقر إلى الدول الأثرى
عربياً وعالمياً..
وحين هالهم في 2008م
أن اليمن انتصرت بمعركتها،
وأفسدت تجارتهم "الإرهابية"،
وأوشكت تجفف مستنقعاتها
الآسنة، لم يجدوا غير العودة
إلى أسمال "الماركسية"،
والنبش بمقابر جلاديها
وسفاحيها عمن يحمل لواء
حرب "انفصالية" جديدة
لتستعيد "القاعدة" التقاط
أنفاسها في الجنوب، وليشعل
الحوثيون فتنتهم الدامية في
الشمال، ولتتحد قوى الشرّ
فتهلك الحرث والزرع، ولا
تبقي ولا تذر، فترتوي
نزعاتهم الانتقامية، وغرائزهم
الجاهلية، وتتمهد السبل
لتمرير المشاريع الاستعمارية
على المنطقة بأسرها..!!
في أرجاء مختلفة من العالم،
فتحوا لمحور الشرّ الخزائن،
والقاعات، وصالات الفنادق،
واستضافوا لقاءات العمالة
والتآمر على وحدة اليمن
بحماية رسمية؛ ثم تبجحوا
جميعاً في المؤتمرات وأمام
الفضائيات أنهم مع الوحدة
اليمنية، وذرفوا دموع
التماسيح على الفوضى
التخريبية، ودماء اليمنيين
النازفة.
يا لسخرية الأقدار، كيف يكون
المرء مع الوحدة وعلى أرضه
زعامات الانفصال تسرح
وتمرح وترسم خططها
التآمرية..!!؟ ويا لانحطاط
أقزام السياسة، كيف يدعمون
وحدة اليمن ومن على
أراضيهم تضخ الملايين
لتمويل الأنشطة التخريبية،
وأعمال القتل المنظم لحماة
الوحدة، وتصدر بيانات
التحريض على الفوضى
والإرهاب، ودعوات عبادة
الأوثان التشطيرية..! ومن
على منابرهم تنطلق قوافل
الأقلام مع حملات التلفيق
التي تدمغ اليمن بوصمة
"الإرهاب"، وتروج لمشاريع
التفتيت، والفتنة المذهبية،
وكأننا بـ"أبو رغال" يعود
مجدداً ليقود الحملة الحبشية،
وقد نسي أن "طيراً أبابيل"
هي من يحرس "يمن
الإيمان"، وإن ما من مغرور
غزاها إلاّ وانتهى أمره
"كعصف مأكول"!!
أيحسبون أن العالم مغفل
عمّــا يأفكون، ويحيكون من
دسائس! أم يظنون أن الذكاء
صناعتهم الاحتكارية، وينسون
أن الله ورسوله "صلى الله
عليه وآله وسلم" لو شاءوا
لخصوهم بالحكمة، ولما
أوحى الربّ لنبيه بـ((الإيمان
يمانٍ والحكمة يمانية)). فو
الله إن قول المصطفى "صلى
الله عليه وآله وسلم" لقول
حق، ومعجزة ربانية، ولو
اجتمع الإنس والجن للإتيان
بغيرها لعجزوا: (وَمَا يَنطِقُ
عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ
يُوحَى)!!؟
لن يقنعنا أحد بأن ما يحدث
هو قدر اليمن واليمنيين، فلا
يجتمع في قدر واحد: قراصنة،
وإرهاب، ومتمردين،
وانفصاليين، يتداولون العنف
والتخريب تباعاً.. فاليمن بلد
فقير، ولا عنف بغير أموال
طائلة تشتري السلاح، والذمم،
وتدفع ثمن الخيانة، وأجر
الارتزاق.. ليتحرك الجميع
تحت سقف الشعارات:
فالقاعدة تذبح باسم دين الله..
والحوثي يذبح باسم شرع
الله.. والحراك يذبح باسم
حقوق الله.. والأحزاب تحشد
مع الجميع باسم تقوى الله،
ونصرة عباد الله.. لكن الجميع
يقبض تمويله من ألـد أعــداء
الله.. فسماء اليمن لا تمطر
مالاً، ولا أرضها تنضح ذهباً، إلاّ
إنها تجارة بيع الدين والأوطان.
ولسنا هنا نتحدث عن
"جمهورية الملائكة"، لكي
نبرأ ثوب الدولة من الدنس،
بل هي اليمن التي تعج
بالأخطاء، والفساد،
والممارسات السلبية، ككثير
من دول العالم.. هي اليمن
التي ما زالت حكومتها
تسمي تفجير مبنى حكومي
بأيدي عناصر القاعدة (عملاً
إرهابياً)، وتفجير نفس
المبنى بأيدي الحراك أو
القبائل (عملاً تخريبياً)، وكأن
تجريم الجاني يُبنى على
الفاعل وليس الفعل..
فرخصت بذلك لعودة الإرهاب
ملفعاً بعباءة الديمقراطية،
ليجد من يصفق له، ويروج
لفكره وفعله، ويخرج للتنديد
بمطاردة عناصره بعشرات
المسيرات الاحتجاجية، ثم
يطلق سراح الجناة بصفقة
"تسويات حزبية"، حتى
تحولت الديمقراطية- بقدرة
يمانية- إلى "مظلة جنائية"
لإباحة المحظورات القانونية..!
لكن اليمن ليست أول بلد
يرتكب الأخطاء، ويتفشى فيه
الفساد، غير أن قدره أنه
يجاور أغنى دول العالم
النفطية، ويشرف على الممر
الملاحي الذي تمر عبره
65% من التجارة العالمية،
وأنه العمق البشري
والاستراتيجي للدول
الخليجية، وأن المخطط
الدولي يقضي إحداث إنهياراً
خليجياً بعد الانهيار العراقي
في إطار عولمة اقتصادية
تنقذ الغرب "المسيحي" من
كارثة مالية، على حساب
المشرق "الإسلامي"- الذي
يقول الغرب أن الله وهبه
ثروة لا يستحقها.. وهذا هو
بالضبط ما أسماه "هنتجتون"
بـ"صدام الحضارات"!
ما يروجه الغرب وبعض
أبواقه العربية البليدة عن
"إنهيار اليمن" ليس أكثر من
حرب نفسية لتثبيط همم
الشارع اليمني والعربي،
وتشجيع طابوره الخامس
للتسابق على إحداث الفوضى
"الديمقراطية"، فالواقع على
الأرض مختلف تماماً..
فـ"القاعدة" التي قضت
مضاجع الولايات المتحدة
وضربتها في عقر دارها، لم
تجرؤ في اليمن على تنفيذ
أي عملية إرهابية نوعية.. بل
أقصى ما عملته منذ عام هو
استهداف أشخاص- وهذا أكبر
تقهقر باستراتيجيات تنظيم
القاعدة التي عرفها العالم
تستهدف مدمرات حربية
أمريكية، وناقلات نفط في
عرض البحر، وتقتحم سفارات
أجنبية..!
فإذا كان هناك من يراهن
على "القاعدة" أو "الحراك"
في تفتيت اليمن وإشاعة
الفوضى، فليعلم أنه يراهن
على حصان من خشب، لن
يتحرك به نصف خطوة.. فهذه
كائنات تبني امبراطورياتها
العظمى على واجهات
الانترنت، الذي تصطف أمامه
طوابير الإعلام المفلس
لتتسول من منتدياته الأكاذيب
والإشاعات و"البطولات
الخارقة" لزعامات من ورق
لم يجرؤ أياً منها على أن
يتقدم مسيرة، أو يكون بين
أطفاله يوم العيد.. وحين
قررت السلطات اعتقالهم لم
يكلفها الأمر عناء كبير، بل
في غضون ساعات جاءت بهم-
كما الفئران- داخل الأقفاص..!
أن أسوء مشاكل الدولة في
اليمن هي فشل مؤسساتها
الإعلامية، ليس فقط في
إيصال الحقيقة إلى ساحة
الرأي العام بل أيضاً في
بلورة الوعي وحشد الساحة
للموقف الوطني، وتعرية
معاقل الفساد والعابثين
بالمصالح العامة، وفضح
المؤامرات التي تحاك على
الوطن، ومواجهة الحملات
التي تستهدف النيل من سمعة
اليمن وشعبها، وتقويم أداء
الدولة بأمانة، والأخذ بيد صانع
القرار وتبصيره بواقع
الشارع، كي لا يبني قراراته
على أوهام المتزلفين..
فاليمن لم تؤمن بعد أن
الإعلام هو سلاح العصر الأشد
فتكاً، وهو الذي يحول
الشيطان ملاكاً، والسفاح
"محرراً"، والتخريب "نضالاً
سلمياً"، والكفر إيماناً..
والإسلام إرهاباً... لذلك اليمن
اليوم تدفع الثمن غالياً من
سمعتها السياسية، ومن
اقتصادها الذي يتكبد مئات
ملايين الدولارات.. وتواجه
الكثير من المآزق الداخلية
والخارجية جراء ضعف بنية
أجهزتها الاعلامية، وهشاشة
أدوارها.
أمريكا أعادت العراق للقرون
الوسطى بفتوى إعلامية
أقنعت العالم بامتلاكه أسلحة
دمار شامل.. والوزير
"الصحّاف" ظل يخدع العالم
بانتصارات وهمية على
"العلوج" حتى اللحظة التي
مرت دبابة الاحتلال من خلفه
في قلب بغداد.. فيما اليمن
أُشيع انهيارها في كل أرجاء
العالم، في نفس اللحظة
التي كانت تضرب بيدٍ من
حديد، وتلقن قوى الإرهاب
والتخريب أقسى الدروس في
تاريخها.. أليست هي مفارقة
كبرى تستحق من صناع
القرار تأمل طويل؟
ختامـــا: كــــل عـــــام
وأنتـــم بخـــير، واليمـــن
بأمــن وســـلام.. وخاب
المراهنون على حصان من
خشب، وجمهوريات على النت..!
chief@nabanews.net